تراجع معدل التضخم في مصر إلى 12.8% خلال فبراير: مؤشرات إيجابية على الاستقرار الاقتصادي
شهدت مصر انخفاضًا كبيرًا في معدل التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن، حيث تراجع إلى 12.8% خلال شهر فبراير 2025 مقارنة بـ 24% في يناير من العام نفسه، وفقًا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. يعكس هذا التراجع الملحوظ تحسن الأوضاع الاقتصادية نسبيًا، بعد الارتفاعات الحادة التي شهدها التضخم في السنوات الأخيرة.
تراجع التضخم بعد مستويات قياسية
بلغ التضخم في مصر ذروته عند 38% في سبتمبر 2023، وهو أعلى مستوى يسجله الاقتصاد المصري على الإطلاق. يعود هذا الارتفاع القياسي إلى عدة عوامل، منها تحرير سعر الصرف، وارتفاع أسعار السلع الغذائية والطاقة، وتأثيرات جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا التي أدت إلى اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع أسعار المواد الخام عالميًا.
لكن منذ ذلك الحين، بدأت معدلات التضخم تتجه نحو الانخفاض بشكل تدريجي، مدفوعة بإجراءات حكومية تستهدف السيطرة على الأسعار ودعم الفئات الأكثر تضررًا، إلى جانب تحسن قيمة الجنيه المصري أمام الدولار في الأشهر الأخيرة، ما أسهم في تقليل الضغوط التضخمية.
أسباب تراجع معدل التضخم
يرجع الانخفاض الحالي في التضخم إلى عدة عوامل رئيسية، من أبرزها:
- استقرار أسعار السلع الأساسية: أظهرت بيانات الجهاز المركزي أن أسعار بعض السلع شهدت انخفاضًا واضحًا، مثل الخضراوات التي تراجعت بنسبة 8.2%، بالإضافة إلى استقرار أسعار المياه والكهرباء والغاز.
- تباطؤ نمو أسعار المواد الغذائية: رغم استمرار الزيادات في أسعار بعض المنتجات مثل الحبوب والخبز (0.8%)، واللحوم والدواجن (3.2%)، والفاكهة (3%)، إلا أن هذه الزيادات كانت أقل حدة مما كانت عليه في الأشهر السابقة.
- السياسات النقدية للبنك المركزي: قام البنك المركزي المصري باتباع سياسات نقدية أكثر تشددًا، عبر رفع أسعار الفائدة للحد من التضخم، وهو ما ساعد في تقليل السيولة النقدية المتداولة في الأسواق.
- تحسن قيمة الجنيه المصري: شهد سعر الصرف استقرارًا نسبيًا، مما قلل من تكلفة الاستيراد، وبالتالي ساعد في الحد من ارتفاع أسعار السلع المستوردة.
- الإصلاحات الاقتصادية الحكومية: نفذت الحكومة المصرية سلسلة من الإصلاحات، تضمنت تعزيز الإنتاج المحلي، وتقديم حوافز للمستثمرين، وتحسين البيئة الاستثمارية، مما ساهم في تقليل الضغوط التضخمية.
توقعات مستقبلية لمسار التضخم
وفقًا لاستطلاع أجرته وكالة "رويترز" بمشاركة 15 محللًا اقتصاديًا، كان من المتوقع أن ينخفض معدل التضخم إلى 14.5% خلال فبراير، إلا أن التراجع جاء أكبر من التوقعات ليسجل 12.8%، مما يشير إلى تحسن أسرع من المتوقع في الأداء الاقتصادي.
ويتوقع بعض الخبراء أن يستمر التضخم في التراجع خلال النصف الأول من 2025، في حال استمر الاستقرار النسبي في أسعار الصرف والسلع العالمية. لكن رغم هذا التحسن، لا تزال هناك تحديات قد تؤثر على مسار التضخم في الأشهر القادمة، مثل التغيرات في أسعار النفط العالمية، والتقلبات الاقتصادية العالمية، بالإضافة إلى مدى نجاح الحكومة في تحقيق الاستدامة المالية وخفض الدين العام.
تأثير التضخم على الاقتصاد والمواطنين
رغم الانخفاض الملحوظ في معدل التضخم، لا تزال مستويات الأسعار مرتفعة مقارنة بالسنوات الماضية، مما يشكل تحديًا للمواطنين، خاصة ذوي الدخل المحدود. ومع ذلك، فإن انخفاض التضخم يعني تباطؤ معدل ارتفاع الأسعار، مما يتيح فرصة لتحسن القدرة الشرائية للأفراد على المدى المتوسط.
من جهة أخرى، يُعتبر تراجع التضخم مؤشرًا إيجابيًا بالنسبة للمستثمرين، حيث يعزز الاستقرار الاقتصادي ويجذب الاستثمارات الأجنبية. وأشار حسام هيبة، رئيس الهيئة العامة للاستثمار، إلى أن الاستثمارات الأجنبية في مصر بلغت 46.6 مليار دولار خلال 2024، ومن المتوقع أن تبدأ 2025 بنمو قوي، ما يساهم في خلق فرص عمل جديدة ودفع عجلة الاقتصاد.
السياسات الحكومية والإجراءات القادمة
تسعى الحكومة المصرية إلى تحقيق مزيد من الاستقرار الاقتصادي من خلال مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى ضبط الأسعار وتعزيز الإنتاج المحلي. ومن بين الخطط التي يجري العمل عليها:
- زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي: تعمل الحكومة على تقديم حوافز للمزارعين والمصنعين لزيادة الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
- مراقبة الأسواق ومنع الاحتكار: تكثف الأجهزة الرقابية حملاتها لضبط الأسواق ومنع التلاعب بالأسعار.
- تحفيز الاستثمار الأجنبي والمحلي: تسعى الدولة إلى جذب مزيد من الاستثمارات في قطاعات حيوية مثل التكنولوجيا، والطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية.
- التحكم في عجز الموازنة والدين العام: أكد وزير المالية المصري أن الحكومة تعمل على تنفيذ استراتيجية متوسطة المدى لخفض الدين العام، بما يتيح لها التحكم بشكل أكبر في الإنفاق العام وتحقيق الاستقرار المالي.
هل يؤثر تراجع التضخم على أسعار الفائدة؟
يُعد التضخم أحد العوامل الرئيسية التي تؤثر على قرارات البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة. ومع التراجع الملحوظ في معدل التضخم، من المحتمل أن يتجه البنك المركزي إلى تخفيف السياسة النقدية خلال الأشهر القادمة، مما قد يؤدي إلى خفض أسعار الفائدة لدعم النمو الاقتصادي.
ومع ذلك، فإن أي قرار بخفض الفائدة سيتوقف على استمرار تراجع التضخم ومدى استقرار الوضع الاقتصادي العالمي. وفي حال استمر التضخم في التراجع، قد يؤدي ذلك إلى انخفاض تكلفة الاقتراض، مما يدعم قطاع الأعمال والاستثمارات.
الخلاصة
يمثل تراجع معدل التضخم في مصر إلى 12.8% خلال فبراير 2025 مؤشرًا إيجابيًا على استقرار الاقتصاد بعد سنوات من التقلبات الحادة. ورغم استمرار التحديات الاقتصادية، فإن الاتجاه الحالي يعكس نجاح بعض السياسات الحكومية في احتواء التضخم وتحسين البيئة الاقتصادية.
لكن لتحقيق نمو مستدام، لا بد من مواصلة الجهود في تعزيز الإنتاج المحلي، وجذب الاستثمارات، وتحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين. ويظل التحدي الأكبر هو ضمان استقرار الأسعار على المدى الطويل، بحيث يستفيد المواطن العادي من هذا التحسن الاقتصادي بشكل ملموس.