مع انخفاض التضخم في مصر.. الأنظار تتجه لاستثمارات جديدة بعد الشهادات البنكية
تشهد السوق المصرية حالة من الترقب مع اقتراب قرار البنك المركزي المصري بشأن خفض أسعار الفائدة، وذلك بعد تراجع معدل التضخم في البلاد إلى 12.8% بنهاية فبراير 2025، مقارنة بـ24% في يناير الماضي. يأتي هذا التوجه في ظل الاستعدادات التي تقوم بها البنوك المصرية الكبرى لإنهاء طرح شهادات الادخار ذات العائد المرتفع، التي اجتذبت سيولة ضخمة منذ مطلع عام 2024.
السؤال الأبرز المطروح حاليًا هو: أين ستتوجه السيولة الضخمة التي ضُخت في تلك الشهادات؟ وأي قنوات استثمارية ستكون الأوفر حظاً في اجتذاب هذه الأموال في ظل انخفاض العائد على الشهادات؟
شهادات الادخار تفقد بريقها.. من المستفيد؟
بحسب خبراء اقتصاد تحدثوا لـ"العربية Business"، فإن الشريحة الأكبر من حاملي الشهادات، خصوصاً من المستثمرين الباحثين عن دخل ثابت ومنتظم، قد يميلون إلى تجديد الشهادات حتى في ظل الفائدة الأقل المرتقبة. في المقابل، هناك شريحة أخرى، خاصة من المستثمرين الجدد الذين دخلوا السوق طمعًا في العائد المرتفع، قد تتجه إلى قنوات استثمارية بديلة مثل الذهب والعقارات وسوق الأوراق المالية.
الذهب والعقارات.. الملاذات الآمنة الكلاسيكية
يؤكد سامح الترجمان، الرئيس التنفيذي لشركة إيفولف للاستثمار القابضة، أن الذهب والعقارات من المتوقع أن يكونا من أهم المستفيدين من التدفقات النقدية الخارجة من الشهادات البنكية. ويعزو الترجمان هذا التوقع إلى الطبيعة التقليدية لهذين السوقين كملاذين آمنين خاصة في أوقات تراجع العوائد البنكية، ووسط حالة عدم اليقين العالمي الناجمة عن التوترات السياسية والاقتصادية والحروب التجارية.
الذهب على وجه الخصوص يُعد أداة قوية للتحوط ضد تقلبات الاقتصاد والتضخم، خاصة بعد أن شهد ارتفاعاً ملحوظاً في أسعاره عالمياً، متجاوزاً حاجز 3000 دولار للأونصة للمرة الثانية خلال أسبوع. كما أن وجود صناديق استثمار متداولة في الذهب زاد من سهولة الاستثمار فيه دون الحاجة إلى شراء المعدن الفعلي أو القلق بشأن تخزينه.
أما العقارات، فهي تُعد واحدة من أكثر الأدوات الاستثمارية موثوقية على المدى الطويل، نظراً لقدرتها على تحقيق عوائد رأسمالية مرتفعة مع مرور الوقت. ويؤكد أسامة سعد الدين، المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري باتحاد الصناعات المصرية، أن العقار في مصر شهد خلال السنوات الأخيرة نمواً قوياً تجاوز معدلات التضخم، وهو ما يجعل الاستثمار فيه خياراً استراتيجياً للعديد من المستثمرين، سواء بغرض السكن أو إعادة البيع.
تحديات أمام العقار والذهب
رغم كون الذهب والعقارات ملاذات آمنة، إلا أن هناك تحديات تواجههما. يشير الترجمان إلى أن الارتفاع الكبير في أسعار الذهب محلياً قد يُقلل من فرص الدخول الجديدة إلى السوق خاصة لصغار المستثمرين. في المقابل، فإن العقارات تواجه تحديات تتعلق بضعف السيولة، إذ أن تسييل العقار (أي بيعه بسرعة) قد يكون أمراً معقداً ويستغرق وقتاً، مقارنة بالأدوات المالية الأخرى مثل الأسهم أو أدوات الدخل الثابت.
سعد الدين أوضح أيضاً أن قرار التحول من الشهادات البنكية إلى العقارات يعتمد على قدرة المستثمر الشرائية، في ظل ارتفاع أسعار العقارات حالياً. فليس جميع حاملي الشهادات يمتلكون رأس المال الكافي للدخول في مشاريع عقارية، ما قد يدفعهم لتجديد الشهادات أو البحث عن بدائل استثمارية أكثر مرونة.
سوق المال المصرية.. الرهان المرتقب
في هذا السياق، تبرز البورصة المصرية كأحد أبرز البدائل الاستثمارية، حيث تُعد من أكثر الأسواق المؤهلة لاستقبال جزء كبير من السيولة المتحررة من الشهادات. وتؤكد رندا حامد، العضو المنتدب لشركة عكاظ لإدارة وتكوين المحافظ المالية وعضو مجلس إدارة البورصة المصرية، أن سوق المال المصرية ستشهد على الأرجح تدفقات نقدية قوية بمجرد بدء البنوك في خفض الفائدة على شهادات الادخار.
حامد أوضحت أن الفائدة المرتفعة التي قدمتها البنوك العام الماضي دفعت المستثمرين نحو الابتعاد عن الأسهم لصالح الشهادات البنكية، لكن مع عودة معدلات الفائدة إلى مستويات أقل، ستعود البورصة لتكون وجهة جذابة للاستثمار، خاصة مع الأخبار الإيجابية الأخيرة التي تشمل تحسن مؤشرات الاقتصاد المصري، مثل انخفاض الدين العام وتحسن مؤشر مديري المشتريات، بالإضافة إلى الطروحات الحكومية المرتقبة.
تنويع الاستثمارات.. خيار استراتيجي في ظل المتغيرات
يجمع المحللون على أهمية تنويع المحافظ الاستثمارية، وعدم الاعتماد على أداة واحدة فقط في ظل المتغيرات الاقتصادية المستمرة. ويقول شريف سامي، رئيس الشركة القومية لإدارة الأصول والاستثمار، إن تحديد الخيار الأفضل للاستثمار يختلف من شخص لآخر، وفقاً لأهدافه المالية ومدى تحمله للمخاطر.
ويضيف أن فئة واسعة من المستثمرين، خاصة كبار السن أو من يفضلون الاستثمارات منخفضة المخاطر، قد تواصل الاعتماد على أدوات الدخل الثابت مثل الشهادات أو الصناديق النقدية التي تستثمر في أذون وسندات الخزانة، حتى مع خفض الفائدة. السبب الرئيسي هو السهولة في تسييل هذه الأدوات مقارنة بالعقارات أو الذهب.
الأرقام تتحدث.. أين تذهب مدخرات المصريين؟
تشير البيانات إلى أن إجمالي مدخرات الأفراد في مصر بلغ نحو 6.26 تريليون جنيه حتى يناير الماضي، بزيادة قدرها 1.28 تريليون جنيه منذ بداية عام 2024. ويُتوقع أن تشهد الفترة المقبلة إعادة توزيع جزء من هذه السيولة بين البورصة والعقارات والذهب، بالتزامن مع التغييرات في السياسة النقدية.
ويقدّر هاشم السيد، رئيس مجلس إدارة شركة أودن للاستثمارات المالية والرئيس التنفيذي لصندوق المصريين للاستثمار العقاري، أن نحو 70% من حاملي الشهادات سيقومون بتجديدها حتى مع خفض الفائدة، فيما ستتوجه النسبة المتبقية إلى استثمارات متنوعة تشمل العقارات بنسبة 15%، و10% على الأقل إلى الذهب، مع حصة مرتقبة لسوق المال.
محدودية الخيارات الاستثمارية.. الحاجة إلى حلول جديدة
رغم هذا التنوع النسبي بين العقارات، الذهب، سوق المال وأدوات الدخل الثابت، يشير الترجمان إلى أن السوق المصرية لا تزال تعاني من محدودية في الأدوات الاستثمارية المتاحة للأفراد. ويوضح أن هذه المشكلة تدفع المستثمرين غالباً للتمسك بالخيار الأسهل والأكثر أماناً وهو الشهادات البنكية، خاصة عندما تكون الفائدة مرتفعة.
ويختم الترجمان بقوله إن السوق تحتاج إلى المزيد من التنويع والتوسع في الأدوات الاستثمارية، لتوفير خيارات أكبر للمستثمرين بمختلف شرائحهم، مع مراعاة أن لكل أداة مزايا وعيوب مرتبطة بمستوى المخاطر والسيولة وسهولة التخارج.
خاتمة: ما بين الترقب والتحوط.. إلى أين تتجه السيولة؟
في النهاية، يظل السؤال مفتوحًا حول الوجهة النهائية للسيولة المتوقع تحريرها من الشهادات البنكية في مصر. ومع اختلاف الأهداف بين الباحثين عن دخل ثابت والمضاربين أو من يفضلون الاستثمارات طويلة الأجل، يتوقف الأمر على توجهات الأفراد وتطورات المشهد الاقتصادي في البلاد خلال الأشهر المقبلة.
الأكيد أن الذهب والعقارات والبورصة سيظلون في دائرة الضوء، في حين أن شهادات الادخار، رغم خفض العائد، ستبقى الملاذ الآمن لفئة واسعة من المدخرين الذين يفضلون الاستقرار وتجنب المخاطر العالية.